
هل تساءلت يومًا كيف تتحول أحلام بناء المشاريع إلى كوابيس مكلفة؟ لماذا تدقيق الدراسات الهندسية مهم؟
في هذا المقال، سنكشف الستار عن أهمية تدقيق الدراسات الهندسية قبل التنفيذ، وسنستعرض قصصًا حقيقية حيث أدى الإهمال إلى خسائر فادحة. وسنقدم نصائح قيمة لتجنب هذه الأخطاء وضمان نجاح مشروعك من البداية إلى النهاية
Construct Vision Team
12/19/20241 دقيقة قراءة

في عالم البناء والهندسة، يُعتبر التخطيط السليم حجر الأساس لضمان نجاح أي مشروع. لكن، ماذا يحدث عندما تتسرب الأخطاء الصغيرة إلى قلب التصميمات الهندسية؟ النتيجة قد تكون كارثية!!!! من تجاوزات مالية غير متوقعة إلى مشاكل هيكلية تهدد سلامة المبنى.
في هذا المقال، سنكشف الستار عن أهمية تدقيق الدراسات الهندسية قبل التنفيذ، وسنستعرض قصصًا حقيقية حيث أدى الإهمال إلى خسائر فادحة. وسنقدم نصائح قيمة لتجنب هذه الأخطاء وضمان نجاح مشروعك من البداية إلى النهاية، وهي خلاصة تجربتنا في أعمال التدقيق...
ما هو تدقيق الدراسات الهندسية؟
هو عملية مراجعة الدراسات الهندسية بشكل دقيق من قبل فريق هندسي متكامل، للرسومات، الحسابات، التفاصيل، الكلفة الاجمالية، والمواصفات الهندسية، ..... وكافة محتويات الدراسة الهندسية لأي مشروع، بهدف التحقق من صحتها وكفاءتها. بما في ذلك ضمان أن التصميم يلبي المعايير المحلية والدولية، ويأخذ في الاعتبار الجوانب الفنية، الاقتصادية، والبيئية.
لا يقتصر نجاح أي مشروع على تصميم جذاب أو فكرة مبتكرة فحسب، أو دراسة متكاملة، بل يعتمد بشكل كبير على التنفيذ الدقيق والتأكد من أن جميع جوانب المشروع مدروسة بعناية. هنا تأتي أهمية تدقيق الدراسات الهندسية كأداة أساسية لضمان نجاح المشروع وتجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى خسائر مالية أو مخاطر على السلامة.
إن دقة وجودة الدراسات الهندسية هما العاملان الحاسمان بين نجاح المشروع أو فشله. وإن تدقيق الدراسات الهندسية قبل التنفيذ يُقلل من الأخطاء الهندسية، ويُساهم في تجنب زيادة تكاليف البناء، وضمان سلامة المنشآت وفعاليتها.
أهمية التدقيق في نجاح المشاريع:
1. تجنب الأخطاء التصميمية:
تساعد عملية التدقيق على اكتشاف الأخطاء أو الثغرات في الرسومات الهندسية أو الحسابات قبل بدء التنفيذ. هذه الأخطاء إذا لم تُصحح قد تؤدي إلى تغييرات مكلفة أثناء مراحل البناء. مما يتيح الفرصة لتصحيحها قبل بدء التنفيذ.
2. - ضمان جودة المشروع:
يساعد تدقيق الدراسات الهندسية في التأكد من جودة المشروع وملاءمته للمعايير الهندسية والتصميمية. ويعزز ثقة العملاء والمستثمرين في المشروع، حيث يضمن لهم أن المشروع قد تم فحصه وتدقيقه من قبل خبراء.
3. - تحسين الكفاءة:
يساعد التدقيق في تحسين كفاءة المشروع من خلال مراجعة الجداول الزمنية، والميزانيات، وطرق التنفيذ، مما يؤدي إلى إنجاز المشروع بشكل أكثر فعالية.
4. تحسين الجدولة والكلفة النهائية:
من خلال تدقيق الدراسات بشكل عميق ودقيق، يمكن تحديد المواد والمواصفات التي تحقق التوازن بين الجودة والتكلفة. هذا يؤدي إلى تخطيط أفضل للميزانية وتقليل الهدر.
كذلك الاكتشاف المبكر للأخطاء، يمكّن من تجنب تجاوز الميزانية في البناء التي قد تنشأ أثناء التنفيذ أو بعد اكتمال دراسة المشروع. مثل الأخطاء في الحسابات أو التصميمات، مما يحمي المشروع من التأخير أو التكاليف الإضافية.
5. ضمان الامتثال للمعايير وكودات البناء المحلية المعتمدة:
تضمن مراجعات التدقيق أن التصميم يتوافق مع المعايير الهندسية وقوانين البناء، والأنظمة المحلية أو الدولية الواجب التقيد بها، مما يقلل من مخاطر التأخير أو المشاكل القانونية والادارية.
6. تعزيز سلامة المشروع وتقليل المخاطر:
الأخطاء الصغيرة في الحسابات أو التصميم يمكن أن تؤدي إلى مشكلات كارثية. التدقيق الهندسي يعزز السلامة ويقلل من المخاطر المحتملة التي قد تواجه المشروع، خاصة في المشاريع الحساسة أو التي تنطوي على مخاطر عالية، مثل البناء في المناطق الزلزالية أو مشاريع البنية التحتية الحرجة، أو البناء في المناطق المعرضة للكوارث.
7. تحسين التعاون بين الأطراف:
التدقيق يدعم التواصل بين المصممين، المهندسين، والمقاولين، ويضمن أن الجميع يعمل نحو رؤية واضحة ومتوافقة.
8. ضمان السلامة الإنشائية:
التدقيق يُتيح التأكد من أن التصميم الإنشائي يتوافق مع معايير السلامة ومتطلبات الكودات الهندسية. ويساعد في كشف أخطاء التصميم الإنشائي قد تؤدي إلى انهيار المبنى أو تقليل عمره الافتراضي.
9. تجنب التأخير في التنفيذ:
الأخطاء في التصميم أو الدراسات التي قد تظهر أثناء التنفيذ، تؤدي إلى توقف العمل لإجراء التعديلات. والتدقيق المسبق يُقلل من احتمالية هذه التأخيرات، ويُسهل تنفيذ المشروع وفق الجدول الزمني المحدد.
أهمية التدقيق من زاوية الاستدامة البيئية:
تضمين جانب الاستدامة في التدقيق الهندسي يُظهر بُعدًا إضافيًا للاهتمام بجودة المشروع نذكر بعض النقاط حول هذا المفهوم:
-التأكد من أن تصميم المبنى يقلل من استهلاك الطاقة (استخدام مواد عازلة للحرارة، وتحسين التهوية الطبيعية والتوجيه الأمثل للوظائف).
-استثمار معطيات البيئة المختلفة لتعزيز الجانب الاقتصادي وتحقيق جدوى اقتصادية مقبولة (مواد محلية - تشميس – اتجاه الرياح – أساليب ومشاكل التنفيذ في البناء.....الخ)
-مراجعة خيارات المواد المستخدمة لتقليل الأثر البيئي (مواد مُعاد تدويرها، أو مواد محلية مستدامة لتقليل البصمة الكربونية).
خطوات تدقيق الدراسات الهندسية:
1. مراجعة الرسومات والمخططات:
تحليل شامل للتصاميم للتأكد من الدقة والتناسق بين الأقسام المختلفة (المعمارية، الانشائية، الكهربائية، الميكانيكية، وغيرها).
* في أحد المشاريع، تم اكتشاف خطأ في تصميم الأساسات خلال مرحلة التدقيق، ما ساهم في تجنب انهيار محتمل وتوفير ملايين الدولارات.
2. تحليل الدراسات الجيوتكنيكية:
مراجعة تقارير التربة والأساسات وربطها بالتصميم المطروح، مع التأكد من مناسبة الأساسات لتحمل نوعية التربة.
3. التدقيق الحسابي:
فحص جميع الحسابات المتعلقة بالأحمال، الأحجام، والجداول الزمنية للتأكد من موثوقيتها. بما في ذلك إجراء اختبارات نمذجة رقمية.
* أحد المشاريع الهندسية شهد تحسينًا كبيرًا في الجدولة الزمنية بعد أن أوصت عملية التدقيق باستخدام مواد بناء أكثر كفاءة.
4. التحقق من التوافق مع المعايير:
التأكد من أن جميع العناصر تلبي الاشتراطات الفنية والقوانين المحلية والدولية. والتأكد من مطابقة المخططات الهندسية مع الكودات المعتمدة.
5. تقييم الجدوى الاقتصادية للمشاريع الهندسية:
مراجعة تكلفة المشاريع والتأكد من أن الموارد تُستخدم بكفاءة.
6. إعداد تقارير التدقيق:
تقديم توصيات مفصلة وإبراز أي نقاط ضعف في التصميم مع اقتراح الحلول.
7. التنسيق بين الأقسام:
ضمان توافق التصميم الإنشائي والمعماري مع متطلبات التصميم والميكانيكي والكهربائي والصحي وغيرها.
أكثر الأخطاء شيوعاً في عملية تدقيق الدراسات الهندسية
فيما يلي بعض النقاط التي يجب التركيز عليها أثناء التدقيق لتجنب المشكلات مستقبلاً. هذه الأخطاء غالبًا ما تكون نتيجة التسرع أو بعض الاهمال في مراجعة وتدقيق الدراسات، وكذلك غياب التنسيق بين الفرق الهندسية المختلفة:
1- نقص التنسيق بين التخصصات الهندسية
يحدث غالبًا عندما يعمل الفريق المعماري والإنشائي والميكانيكي والكهربائي بشكل مستقل دون التنسيق الكافي. والمسؤول الأول عن عملية التنسيق هو المهندس المعماري المصمم، والذي يجب أن يكون لديه الخبرة والتجربة التي تجعل لديه دراية كافية بارتباط الأعمال المختلفة في المشروع (الإنشائية والكهربائية والميكانيكية.....) مع بعضها وتأثير كل منها على الآخر، كما يجب أن يكون قادراً على حل أي تعارض قد يحصل بين اختصاصين أو أكثر أثناء عملية التنسيق، وهذا طبعا مرتبط بكفاءته وخبراته التراكمية في العمل.
كما أن عملية مطابقة الشبكات المختلفة في نهاية الدراسة مع العناصر الإنشائية ومع التصميم المعماري بما فيها فتحات التهوية والجدران الداخلية ومسارات الحركة يمنع مواجهة أي تضارب بين دراسات الاختصاصات أثناء التنفيذ يترتب عليه هدر كبير في الوقت والكلفة.
2- إغفال مراجعة تقارير التربة وتأثيرها على الأساسات
يتم أحيانًا الاعتماد على فرضيات عامة أو تحليل سابق لمواقع مجاورة للموقع المدروس، دون إجراء تحليل شامل لنوعية التربة في موقع المشروع. مما يؤدي في النتيجة إلى تصميم الأساسات بشكل غير ملائم، أو اختيار مستوى تأسيسي غير مناسب، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى مشاكل كبيرة مستقبلية مثل الهبوط أو التشققات في المنشأة، وقد يستلزم التعديل أثناء التنفيذ زيادة في التكاليف بنسبة تصل إلى 20-30%. بينما يمكن تجنب كل ذلك بالتأكد من وجود تقرير مفصل وسليم عن التربة (Geotechnical Report) وربطه بتصميم الأساسات.
3- التركيز على الجانب الجمالي على حساب الأداء الوظيفي
في بعض الحالات، يتم التركيز المفرط على الناحية الجمالية في التصميم المعماري دون الأخذ بعين الاعتبار كفاءة الاستخدام أو المتطلبات الإنشائية، وللأسف نجد في النتيجة كثير من الأبنية المنفذة بمساحات غير عملية داخل المبنى، وأحياناً بهدر في المواد بسبب تصميم مبالغ فيه من الناحية الإنشائية لدعم الشكل الجمالي.
بينما يمكن للمعماري باجراء موازنة بين هدف المشروع وجمالية الفكرة التصميمية والجدوى الاقتصادية ومتطلبات المشروع الوظيفية أن يصل لنتيجة ناجحة بنسبة كبيرة وهنا تأتي عملية التدقيق لتعيد النظر في هذه النواحي بشكل معمق وتسلط الضوء على ارتباط كل هذه المحاور الهامة.
4- الأخطاء في تحليل الأحمال والتوزيعات الإنشائية
تحدث عندما يتم تصميم المنشأة بناءً على أحمال غير دقيقة أو عند إهمال الأحمال الديناميكية مثل أحمال الرياح والتأثيرات الزلزالية. مما يقلل عمر المبنى الافتراضي، ويؤدي إلى ضرورة تدعيم المنشأة بعد التنفيذ، وهو مكلف جدًا.
5- غياب مراجعة الكودات والمعايير الهندسية المحدثة
يستخدم بعض المهندسين كودات القديمة أو لا يأخذون بعين الاعتبار التعديلات الجديدة في الكودات المحلية والدولية، يؤدي ذلك إلى مشكلات قانونية بسبب عدم الامتثال، أو تعطل المشروع في بعض الحالات لوجود تعديلات إلزامية تحتاج لمدة زمنية إضافية غير مأخوذة بعين الاعتبار، وقد يؤثر على سلامة المنشأة وفعاليتها.
6- تجاهل التفاصيل الدقيقة في الرسومات التنفيذية
عدم مراجعة التفاصيل مثل وصلات الحديد، التسليح الإضافي في مناطق الإجهاد العالي، أو أماكن الوصلات الكهربائية والميكانيكية وكذلك توضع فتحات كل منها وتضاربها مع بعضها، أو نقص في التفصيلات المعمارية وخاصة في الحالات التي تتطلب تفصيلات خاصة.
هذه الحالات وغيرها كثير تسبب بشكل حتمي أخطاء في التنفيذ تؤدي إلى هدر المواد وإعادة العمل في بعض الأحيان، أو قد تسبب ضعف في أداء المنشأة أو أعطال متكررة في الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، أو تشوهات بصرية في الفراغات الداخلية تسيء للعمل ككل.
7- الاعتماد الزائد على البرمجيات دون التحقق اليدوي
استخدام برامج التحليل الهيكلي دون مراجعة النتائج يدويًا، مما قد يؤدي إلى اعتماد نتائج خاطئة بسبب أخطاء إدخال البيانات، وهذا يؤدي في أغلب الأحيان إلى مشاكل هائلة وخاصة في دراسة المشاريع الكبيرة، بسبب الحصول على تصميم غير دقيق يفضي إلى فشل في الأداء الهيكلي، أو مشاكل في التنفيذ الإنشائي بسبب مشكلات في الرسومات الناتجة عن البرمجيات.
طبعا هذا لا ينفي أهمية الأدوات والتقنيات الحديثة للتدقيق الهندسي مثل البرامج الهندسية المتقدمة نذكر منها:
-برامج التحليل الهندسي مثل ETABS وRevit وSAFE، وكيف تُساعد في اجراء المحاكاة لأداء الهيكل قبل التنفيذ.
-تقنيات النمذجة ثلاثية الأبعاد (BIM) التي تُتيح التنسيق بين الفرق المعمارية والإنشائية والميكانيكية بشكل أكثر دقة.
-استخدام الطائرات بدون طيار (Drones) لفحص المواقع وربطها بالدراسات الهندسية.
ولكن تبقى هناك ضرورة لاستخدام المراجعة اليدوية كوسيلة للتحقق قبل اعتماد الدراسة.
8- عدم مراجعة مراحل التنفيذ وربطها بالدراسة الهندسية
عدم تدقيق كيفية تطبيق الدراسات على أرض الواقع أو التأكد من أن المخططات كافية لجعل أي مقاول يفهم تفاصيل التصميم بوضوح. وهذا يجعل احتمالية التطبيق الغير صحيح واردة جداً مما يؤدي إلى مشاكل أثناء التنفيذ مثل سوء تموضع العناصر أو تنفيذها بشكل خاطئ، وقد يصل الأمر إلى الحاجة إلى إعادة بعض المخططات والرسومات أو الاضطرار إلى التعديل أثناء التنفيذ.
كيفية تجنب الأخطاء الشائعة في مشاريع لبناء مثل هذه الأمثلة وغيرها؟؟؟
نصائح للمراجعة الهندسية المثالية:
1. تشكيل فريق التدقيق:
عند إنشاء فريق التدقيق متعدد التخصصات لابد من توفر الكفاءة والخبرة الكافية في مجال التصميم وبمشاريع مشابهة للمشروع المطروح، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة كون خبرة فريق التدقيق أكبر من خبرة فريق التصميم أو تساويها للحصول على النتيجة المرجوة من عملية التدقيق، ومن الضروري أن يضم فريق التدقيق كافة الاختصاصات الموجودة في الدراسة ولا يمكن إهمال أي تخصص مهما كان دوره محدوداً في أعمال المشروع. مع التركيز على التنسيق والعمل المشترك لمراجعة التصميمات بشكل مشترك.
2. إجراء مراجعات دورية:
في كثير من حالات إدارة المشاريع الهندسية يقوم فريق التدقيق بمراجعة التصميمات على مراحل بشكل متسق مع تقدم عملية الدراسة والتصميم، وذلك بدلاً من مراجعتها مرة واحدة، وقد أثبتت النجارب أن ذلك يعطي نتائج أفضل وبمدة زمنية أقل كما تجعل التنسيق بين فريق الدراسة وفريق التدقيق أقوى وأكثر فاعلية.
3. استخدام قوائم تحقق (Checklists):
وهذه خطوة ضرورية في عمل الشركات والمكاتب الهندسية لتنظيم عملها وتوحيد منهجية تدقيق الدراسات حيث يتم إعداد قوائم مرجعية مكونة من نقاط محددة، يتم من خلالها مراجعة الجوانب المختلفة لكل دراسة هندسية (معمارية، إنشائية، كهربائية، ميكانيكية، وغيرها) لضمان عدم إغفال أي تفاصيل هامة أثناء عملية التدقيق.
هذه القوائم تُعد أداة منهجية تُساعد المهندسين في التأكد من أن جميع العناصر قد تم مراجعتها وفقًا للمعايير السلامة والبناء والكودات المعتمدة.
4. الاعتماد على فريق تدقيق مستقل:
إن الاستعانة بمستشارين خارجيين لتدقيق الدراسات قد يوفر منظورًا إضافيًا ويكشف عن أخطاء غير واضحة للفريق الداخلي.
وهذا بالنتيجة يغني التجربة وبالتالي يجعل المشروع أكثر اكتمالاً.
إن الجهد المشترك في التدقيق الهندسي يضمن بشكل كبير تكامل جميع جوانب المشروع. وإن تكرار الأخطاء الشائعة في مشاريع البناء يدل على أهمية التخطيط الهندسي عبر وجود عمليات تدقيق صارمة وممنهجة. فمن خلال فهم هذه الأخطاء وتجنبها، يمكن تحسين جودة المشاريع وإدارة التكاليف الإنشائية.
دراسة حالات لمشاريع هندسية مختلفة وانعكاس اهمال تدقيق الدراسات على نتائجها
انهيار جسر مينابوليس (I-35W Saint Anthony Falls Bridge):
كان جسر آي-35 دبليو على نهر المسيسيبي، المعروف أيضًا باسم جسر شلالات سانت أنتوني، واحدًا من أهم جسور مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة. تم افتتاحه عام 1967، وكان يحمل الطريق السريع 35 دبليو الذي يربط بين مدينتي مينيابوليس وسانت بول.
في يوم 1 أغسطس 2007، وفي ساعة ذروة المرور، انهار جزء كبير من الجسر وسط نهر المسيسيبي، مما أدى إلى كارثة إنسانية كبيرة. أسفر الحادث عن مقتل 13 شخصًا وإصابة العشرات، بالإضافة إلى خسائر مادية فادحة وتعطيل حركة المرور في المنطقة.
أظهرت التحقيقات أن الانهيار كان ناجمًا عن مجموعة من الأسباب، من بينها:
-تصميم هيكلي معيب حيث تم الكشف عن أخطاء في التصميم الأصلي للجسر، خاصة في وصلات الدعامات الرئيسية. وتبين وجود مشكلة في حجم الألواح المعدنية التي صُممت لتوصيل الحزم الهيكلية، حيث كانت أقل من المطلوب لتحمل الأحمال المتوقعة.
-تعرض الجسر لإجهاد زائد بسبب زيادة حجم الحركة المرورية ووزن الشاحنات الثقيلة، والتي لم تدرس بشكل كاف.
-لم يتم إجراء الصيانة اللازمة للجسر بشكل منتظم، مما ساهم في تدهور حالته.
مبنى سكني في آسيا - مشكلة عدم تدقيق الدراسة المعمارية -:
مبنى سكني متعدد الطوابق في إحدى الدول الآسيوية. التصميم المعماري كان يُركز على الشكل الجمالي الخارجي مع نوافذ كبيرة وشرفات متعددة لتعزيز الإطلالة.
أثناء التنفيذ، تم اكتشاف أن الدراسة المعمارية لم تأخذ بعين الاعتبار كل من النقاط التالية:
1. التهوية والإضاءة:
واجهات المبنى الزجاجية الكبيرة أدت إلى زيادة غير مدروسة في درجة حرارة الشقق الداخلية، مما خلق حاجة لتكييف مستمر، كما أن تصميم الجدران الداخلية حدّ من تدفق الهواء مما أدى إلى ضعف في توزيع التهوية الطبيعية.
2. التداخل مع الدراسة الإنشائية:
موقع الأعمدة الإنشائية لم يكن متوافقًا مع فتحات النوافذ والشرفات، مما اضطر فريق التنفيذ إلى تعديل مواقع الأعمدة. أدت التعديلات إلى زيادة سماكة بعض الجدران الداعمة، مما قلل المساحات المعيشية في الشقق.
3. إغفال المتطلبات الوظيفية للمستخدمين:
توزيع الغرف لم يكن عمليًا، حيث عانت بعض الشقق من ضيق المساحات المخصصة للمطابخ والحمامات.
التركيز على الجمال الخارجي أتى على حساب الكفاءة الوظيفية الداخلية.
ترتب على ذلك زيادة التكاليف حيث تم صرف ميزانية إضافية لإجراء تعديلات على التصميم الإنشائي بما يتماشى مع الدراسة المعمارية، إضافة إلى تكلفة إضافية لتعديل التمديدات الكهربائية والميكانيكية بسبب تغيير مواقع الأعمدة والجدران، ولا شك أن المشروع استغرق وقتًا إضافيًا لمراجعة المخططات وإعادة التصميم، مما أدى إلى تأخير كبير في موعد التسليم، وبمجرد بدء السكن، اشتكى السكان من ارتفاع تكلفة تشغيل أجهزة التكييف بشكل يومي، وعدم راحة بعض المساحات الضيقة.
هذا المثال الهام جداً يؤكد أيضاً على أهمية التنسيق بين الدراسة المعمارية والدراسة الإنشائية فقد كان على المصمم المعماري العمل بشكل وثيق مع المهندس الإنشائي للتأكد من جودة التصميم المعماري والانشائي معاً. إضافة إلى أهمية إجراء تحليل وظيفي أثناء التصميم يتم من خلالها تحليل تدفق الهواء والإضاءة الطبيعية لتجنب مشاكل التهوية والطاقة.
لاشك أن مراجعة المخططات والتفاصيل المعمارية من قبل فريق متخصص كان يجب أن يتم بالتزامن مع تدقيق الدراسة الإنشائية لضمان تحقيق الجمال الوظيفي والهيكلي معًا، وهذا يكون جنباً إلى جنب مع تركيز الدراسة المعمارية على احتياجات المستخدمين اليومية، والموازنة بين الجماليات والوظائف.
مشروع مبنى سكني في الشرق الأوسط:
في أحد المشاريع السكنية الكبرى، اكتُشف أثناء التنفيذ أن أساسات المبنى لا تتوافق مع نوعية التربة، مما أدى إلى هبوط في الأرضيات. كان السبب عدم إجراء تدقيق كامل لدراسة التربة وتصميم الأساسات بناءً على هذه الدراسة. وأُجبرت الشركة على تعديل التصميم أثناء التنفيذ، مما زاد التكلفة بنسبة 25%.، وهذه أحد الأخطاء التي يتعرض لها البعض في دراسة المشاريع الهندسية حيث تهمل مراجعة ربط الدراسات الإنشائية بالتحليل الجيولوجي للتربة قبل البدء بمراجعة التصميم.
حالة بناء مصنع في أوروبا:
أثناء تنفيذ مصنع صناعي ضخم، تبين أن التصميم لم يأخذ في الحسبان الأحمال الديناميكية للآلات الثقيلة. أدى ذلك إلى ظهور شروخ في الجدران والأعمدة بعد عامين فقط من تشغيل المصنع. ثم قاموا بتعزيز الهيكل بتكاليف إضافية كبيرة.
انهيار مبنى روزنبرغ:
انهار مبنى سكني في نيويورك عام 1968 بسبب عيوب في التصميم وعمليات البناء. حيث لم يتم تصميم المبنى لتحمل الأحمال الجانبية، مما أدى إلى انهياره نتيجة لرياح قوية.
انهيار سقف صالة الألعاب الرياضية في بوخارست:
انهار سقف صالة ألعاب رياضية في رومانيا عام 2008 بسبب تراكم الثلوج. فلم يكن تصميم السقف قادر على تحمل وزن الثلوج المتراكمة، مما أدى إلى انهياره. بينما تصميم الهياكل لتحمل الأحمال البيئية المختلفة، مثل الثلوج والرياح من العوامل الأساسية التي لا يمكن إغفالها.


من أسباب فشل المشاريع الهندسية زيادة التكلفة بنسبة كبيرة وتتغير النسبة بحسب عوامل عدة تؤخذ بعين الاعتبار منها التمويل والجدوى الاقتصادية وطبيعة المشروع والقطاع ...الخ ولكن بشكل عام نصل إلى فشل المشروع الهندسي إذا تجاوزت الزيادة في الكلفة في المشاريع الصغيرة 20-30% وفي المشاريع الكبرى والبنى التحتية 10-15% ، وبحسب إحصائيات حصلنا عليها مؤخراً حول أسباب فشل المشاريع الهندسية فإن 69% من هذه المشاريع كان من أسباب فشلها زيادة الكلفة عن الحد الإقتصادي للمشروع و 37% منها كان من أسباب فشلها تجاوز الحد الزمني.
وإليك بعض الأمثلة التي توضح أسباب زيادة تكاليف المشاريع وبعض الأخطاء التي أدت إلى هذه الزيادة الكبيرة:
- مشروع نفق في الولايات المتحدة الأمريكية
تم تصميم نفق لنقل المياه بناءً على دراسات إنشائية غير دقيقة حول طبيعة التربة وضغط المياه المتوقع. لم يتم إجراء تدقيق شامل لتقرير التربة. أثناء التنفيذ، انهارت أجزاء من النفق بسبب ضعف تحمل التربة، مما استدعى إعادة التصميم واستخدام مواد أكثر تكلفة. التكلفة الأصلية كانت مقدرة بـ 250 مليون دولار، لكنها ارتفعت إلى أكثر من 400 مليون دولار، أي زيادة بنسبة 60%.
- مشروع جسر في كندا
في أحد مشاريع الجسور، كان هناك خطأ في تصميم الأحمال الديناميكية الناتجة عن الرياح والاهتزاز. التدقيق لم يشمل محاكاة الأداء في ظروف الرياح القوية. تم اكتشاف الحاجة إلى تدعيم الهيكل بعد تركيب الأقسام الأولية، مما استدعى إضافة دعائم وتعديلات على التصميم. التكلفة الأولية للجسر كانت 120 مليون دولار، ولكن التعديلات أضافت 45 مليون دولار، بزيادة 37.5%.
- مبنى تجاري متعدد الطوابق في الهند
تم تصميم أعمدة غير كافية لتحمل الأحمال الزلزالية لأن الدراسة الأصلية لم تأخذ في الاعتبار موقع المبنى في منطقة نشاط زلزالي مرتفع. أثناء التنفيذ، تطلب الأمر زيادة تسليح الأعمدة والجدران الحاملة بشكل مبالغ فيه، مما رفع تكاليف المواد بشكل كبير. التكلفة الأصلية كانت 20 مليون دولار، لكنها ارتفعت إلى 28 مليون دولار، بزيادة 40% بسبب المواد الإضافية وأعمال التعديل.
- مبنى سكني في الشرق الأوسط
غياب التنسيق بين الدراسة المعمارية والدراسة الإنشائية أدى إلى تعارض بين مواقع الأعمدة الإنشائية وممرات التكييف والتمديدات الكهربائية. أثناء التنفيذ، تطلب إعادة تصميم شبكة التمديدات الكهربائية والتكييف، مما أدى إلى إعادة العمل وإهدار الوقت والمواد. التكلفة الأولية للمشروع كانت 5 ملايين دولار، ولكن التكلفة النهائية بلغت 6.5 مليون دولار، أي زيادة بنسبة 30%.
- محطة كهرباء في أوروبا
خطأ في دراسة الأحمال الحرارية الناتجة عن تشغيل التوربينات أدى إلى عدم كفاية نظام التهوية. تم تركيب نظام تهوية إضافي يتطلب تعديلات إنشائية لدمجه. التكلفة الأصلية كانت 500 مليون دولار، وبلغت التكلفة النهائية 650 مليون دولار، بزيادة 30%.
- مشروع طريق سريع في آسيا
غياب التدقيق على تقرير التربة والأساسات أدى إلى استخدام تصميم أساسات غير مناسبة، مما تسبب في هبوط أجزاء من الطريق بعد التنفيذ. تطلب إعادة بناء أجزاء كبيرة من الطريق باستخدام مواد وأساليب أكثر تكلفة. الكلفة الأصلية كانت 100 مليون دولار، وارتفعت إلى 160 مليون دولار، أي زيادة بنسبة 60%.
الأخطاء الناتجة عن غياب التنسيق (بين المعماري والإنشائي والميكانيكي) تُعد من أكبر أسباب زيادة الكلفة. كما يؤدي غياب إجراء محاكاة تفصيلية إلى اكتشاف الأخطاء أثناء التنفيذ، حيث يكون إصلاحها مكلفًا للغاية.


التكلفة مقابل الفائدة (Cost-Benefit Analysis)
إن الاستثمار في التدقيق يُعتبر مجدٍ اقتصاديًا بالتأكيد على المدى الطويل. إذ أن أي مقارنة بين تكلفة التدقيق المسبق وتكلفة إصلاح الأخطاء أثناء التنفيذ، تؤكد ما نقول في مقالنا هذا.
رغم أن عملية التدقيق قد تزيد من تكاليف التصميم الأولي بنسبة 1-3%، إلا أنها تُجنب زيادات تتراوح بين 20-60% من التكلفة الإجمالية للمشروع من خلال تجنب الهدر وكلفة إعادة العمل كما رأينا في الحالات السابقة.
وتشير كثير من الدراسات إلى أن 70% من المشاريع التي تغفل مرحلة تدقيق الدراسات تُعاني من تجاوزات في التكلفة والوقت. كما أن 85% من الأخطاء الهندسية التي يتم اكتشافها أثناء التنفيذ كان يمكن تفاديها عبر التدقيق المسبق.
ولا نغفل دور التدقيق في تجنب المخاطر القانونية والتأمينية.
لذا فإن أهمية تدقيق الدراسات الهندسية لا تنحصر في توفير المال والزمن إنما هو جزء لا يتجزأ من أي مشروع ناجح.
الخاتمة:
تدقيق الدراسات الهندسية قبل التنفيذ ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو استثمار ضروري يضمن سلامة المشروع وكفاءته. فمن خلال مراجعة دقيقة للمخططات، ودراسة العوامل البيئية والجيوتكنيكة، واستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة، يمكن تقليل المخاطر وتحقيق النجاح في المشاريع الإنشائية.
إن أي خلل في جودة التصميم المعماري لا يُؤثر فقط على الجماليات، ولكنه يُسبب مشاكل هيكلية ووظيفية تُكبد المشروع تكاليف إضافية وتأخيرات. فالتنسيق بين الدراسة المعمارية والإنشائية، مع إجراء مراجعات دقيقة من فريق متخصص ومتكامل، هو المفتاح لتجنب مثل هذه المشكلات.
ولكل هذه الأسباب: المشاريع التي تفشل في تخصيص الوقت والجهد لتدقيق الدراسات غالبًا ما تواجه عقبات مكلفة، وهو ما يجعل التدقيق مرحلة أساسية لا يمكن تجاوزها.
Construct Vison Team